كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



يقال: صَفَحْتُ عن فلان: إذا أعرضت عنه، والأصل في ذلك أن تُولِّيه صَفْحةَ عنقك، قال كُثَيِّر يصف امرأة:
صَفُوحاَ فما تَلْقاكَ إلاّ بَخِيلَةً ** فمَنْ مَلَّ منها ذلك الوَصْلَ مَلَّتِ

أي: مُعْرِضَة بوجهها، يقال؛ ضَرَبْتُ عن فلان كذا: إِذا أمسكتَه وأضربتَ عنه.
{أن كنتم} قرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر: {أن كنتم} بالنصب، أي: لأِن كنتم قومًا مسرفين.
وقرأ نافع، وحمزة، والكسائي: {إِن كنتم} بكسر الهمزة.
قال الزجاج: وهذا على معنى الاستقبال أي إِن تكونوا مسرفين نَضْرِبْ عنكم الذِّكْر.
وفي المراد بالذِّكْر قولان:
أحدهما: أنه ذِكْر العذاب، فالمعنى: أفنُمْسِكُ عن عذابكم ونترُكُكم على كفركم؟! وهذا معنى قول ابن عباس، ومجاهد، والسدي.
والثاني: أنه القرآن فالمعنى: أفنُمْسِكُ عن إنزال القرآن من أجل أنكم لا تؤمِنون به؟! وهو معنى قول قتادة، وابن زيد.
وقال قتادة: {مُسْرِفِينَ} بمعنى مشركين.
ثم أعلم نبيَّه أنِّي قد بعَثتُ رُسُلًا فكُذِّبوا فأهلكتُ المكذِّبين بالآيات التي تلي هذه.
قوله تعالى: {أَشَدَّ منهم} أي: من قريش {بَطْشاَ} أي: قُوَّةً {ومضى مَثَلُ الأوَّلِينَ} أي: سبق وصفُ عِقابهم فيما أُنزل عليك.
وقيل: سبق تشبيه حال أولئك بهؤلاء في التكذيب، فستقع المشابهة بينهم في الإِهلاك.
ثم أخبر عن جهلهم حين أقَرُّوا بأنه خالق السموات والأرض ثم عبدوا غيره بالآية التي تلي هذه؛ ثم التي تليها مفسَّرة في [طه: 53] إلى قوله: {لعلكم تهتدون} أي: لكي تهتدوا في أسفاركم إلى مقاصدكم.
قوله تعالى: {والذي نزَّل من السماء ماءً بقَدَرٍ} قال ابن عباس: يريد أنه ليس كما أنزل على قوم نوح بغير قَدَرٍ فأغرقهم، بل هو بقَدَرٍ ليكون نافعًا.
ومعنى: {أنشَرْنا}: أحيَيْنا.
قوله تعالى: {كذلك تُخْرَجوُنَ} قرأ حمزة، والكسائي، وابن عامر: {تَخْرُجُونَ} بفتح التاء وضم الراء؛ والباقون بضم التاء وفتح الراء.
وما بعد هذا قد سبق [يس: 36 42] إلى قوله تعالى: {لتستووا على ظُهوره} قال أبو عبيدة: هاء التذكير لـ: {ما}.
{ثم تذكُروا نعمة ربِّكم} إذ سخَّر لكم ذلك المَركب في البَرِّ والبحر، {وما كنا له مُقْرِنِينَ} قال ابن عباس ومجاهد: أي: مُطيقين.
قال ابن قتيبة: يقال أنا مُقْرن لك، أي: مُطيق لك، ويقال: هو من قولهم: أنا قِرْنٌ لفلان: إذا كنتَ مثله في الشِّدة.
فإن قلتَ: أنا قَرْنٌ لفلان بفتح القاف فمعناه: أن تكون مثله بالسِّنّ.
وقال أبو عبيدة: {مُقْرِنِينَ} أي ضابِطِين، يقال: فلان مُقْرِنٌ لفلان، أي: ضابط له.
قوله تعالى: {وإنّا إلى ربِّنا لَمُنْقَلِبونَ} أي: راجعون في الآخرة.
قوله تعالى: {وجَعَلوا له مِنْ عِباده جُزْءًا} أمّا الجَعْل هاهنا، فمعناه: الحُكم بالشيء، وهم الذين زعموا أن الملائكةَ بناتُ الله؛ والمعنى: جَعلوا له نصيبًا من الولد، قال الزجاج: وأنشدني بعض أهل اللغة بيتًا يدل على أن معنى {جزءٍ} معنى الإِناث- ولا أدري البيت قديم أو مصنوع-:
إِنْ أَجْزَأَتْ حُرَّةٌ يَوْمًا فلا عَجَبٌ ** قد تُجْزِىءُ الحُرَّةُ المِذْكارُ أَحْيانا

أي: آنثت، ولدت أُنثى.
قوله تعالى: {إِنَّ الإِنسان} يعني الكافر {لَكَفورٌ} أي: جَحودٌ لِنِعَم الله عز وجل {مُبِينٌ} أي: ظاهرُ الكُفر.
ثم أنكر عليهم فقال: {أمِ اتَّخَذَ مِمّا يَخْلُقُ بناتٍ} وهذا استفهام توبيخ وإِنكار {وأصْفاكم} أي: أخلَصَكم بالبنينَ.
{وإِذا بُشِّر أحدُهم بما ضَرَبَ للرحمن مَثَلًا} أي: بما جعل لله شبها، وذلك أن ولد كلِّ شيء شبهه وجنسه.
والآية مفسرة في [النحل: 58].
قوله تعالى: {أَوَمَنْ يُنْشَّأُ} قرأ حمزة، والكسائي، وخلف، وحفص: {يُنَشَّأُ} بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين، وقرأ الباقون: بفتح الياء وسكون النون.
قال المبرِّد: تقديره: أو يَجَعلون من ينشأ (في الحِلْية) قال أبو عبيدة: الحِلْية: الحِلَى.
قال المفسرون: والمراد بذلك: البنات، فإنهنُ ربِّين في الحُلِيِّ والخصام بمعنى المُخاصَمة، {غيرُ مُبِينٍ} حُجَّةً.
قال قتادة: قلَّما تتكلَّم امرأة بحُجَّتها إلاّ تكلَّمتْ بالحُجَّة عليها.
وقال بعضهم: هي الأصنام.
قوله تعالى: {وجَعلوا الملائكةَ} قال الزجاج: الجَعْل هاهنا بمعنى القول والحكم على الشيء، نقول: قد جعلتُ زيدًا أعلَم الناسِ، أي: قد وصفته بذلك وحكمت به.
قال المفسرون: وجَعْلُهم الملائكة إِناثًا قولهم: هُنَّ بناتُ الله.
قوله تعالى: {الذين هُمْ عِبادُ الرحمن} قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، ويعقوب، وأبان عن عاصم، والشيزري عن الكسائي: {عِنْدَ الرحمن} بنون من غير ألف.
وقرأ الباقون: {عِبادُ الرحمن}، ومعنى هذه القراءة جعلوا له من عباده بنات والقراءة الأُولى موافقة لقوله: {إِنَّ الذين عِْنَد ربِّكَ} [الأعراف: 206] وإِذا كانوا في السماء كان أَبْعَدَ للعِلْم بحالهم {أَشَهِدُوا خَلْقَهم}؟ قرأ نافع، والمفضل عن عاصم: {أَأُشْهِدوا} بهمزتين، الأولى مفتوحة والثانية مضمومة.
وروى المسيّبي عن نافع {أَوُ شْهِدوا} ممدودة من أشْهدْتُ، والباقون لا يُمدُّون.
{أشَهِدوا} من شَهِدْتُ، أي: أحَضَروه فعرَفوا أنهم إِناث؟! وهذا توبيخ لهم إِذ قالوا فيما يُعْلَم بالمشاهَدة من غير مشاهَدة {ستُكْتَبُ شهادتُهم} على الملائكة أنها بناتُ الله.
وقال مقاتل: لمّا قال الله عز وجل: {أَشِهدوا خَلْقَهم}؟، سُئلوا عن ذلك فقالوا: لا.
فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «فما يُدريكم أنها إِناث»؟ فقالوا: سمعنا من آبائنا ونحن نَشهد أنهم لم يَكذبوا، فقال الله: {ستُكْتَبُ شهادتُهم ويُسأَلُونَ} عنها في الآخرة.
وقرأ أبو رزين، ومجاهد: {سنَكْتُبُ} بنون مفتوحة {شهادتَهم} بنصب التاء.
ووافقهم ابن أبي عبلة في {سنَكْتُبُ} وقرأ {شهاداتِهم} بألف.
قوله تعالى: {وقالوا لو شاءَ الرحمنُ ما عَبَدْناهم} في المكنيِّ عنهم قولان:
أحدهما: أنهم الملائكة، قاله قتادة، ومقاتل في آخرين.
والثاني: الأوثان، قاله مجاهد.
وإِنما عَنَوْا بهذا أنه لو لم يَرْضَ عبادتَنا لها لعجَّل عقوبتنا، فردَّ عليهم قولهم بقوله: {ما لهم بذلك مِنْ عِلْمٍ} وبعض المفسرين يقول: إِنما أشار بقوله: {مالهم بذلك مِنْ عِلْمٍ} إلى ادِّعائهم أنَّ الملائكة إِناث؛ قال: ولم يتعرَّض لقولهم {لو شاء الرحمن ما عَبَدْناهم} لأنه قول صحيح؛ والذي اعتمدنا عليه أصح، لأن هذه الآية كقوله: {لو شاء اللهُ ما أَشْرَكْنا} [الانعام: 148] وقوله: {أنُطْعِمُ مَنْ لو يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ} [يس: 47] وقد كشفنا عن هذا المعنى هنالك و{يَخْرُصُونَ} بمعنى: يكذبون.
وإنما كذَّبهم لأنهم اعتقدوا أنه رضي منهم الكفر دينًا.
{أَمْ آتيناهم كتابًا مِنْ قَبْلِهِ} أي: مِنْ قَبْلِ هذا القرآن، أي بأن يعبدوا غير الله {فهُم به مستمسِكون} يأخذون بما فيه.
{بل قالوا إِنّا وَجَدْنا آباءَنا على أُمَّة} أي: على سُنَّة ومِلَّة ودِين {وإِنّا على آثارهم مُهْتَدون} فجعلوا أنفُسهم مهتدين بمجرد تقليد الآباء من غير حُجَّة؛ ثم أخبر أن غيرهم قد قال هذا القول، فقال: {وكذلك} أي: وكما قالوا قال مُتْرَفو القُرى مِنْ قَبْلهم، {وإِنّا على آثارهم مقتدون} بهم.
{قُلْ أَوَلَوْ جِئتُكم} وقرأ ابن عامر، وحفص عن عاصم: {قال أَوَلَوْ جِئتُكم} بألف.
قال أبو علي: فاعل: {قال} النذير، المعنى: فقال لهم النذير.
وقرأ أبو جعفر: {أَوَلَوْ جئناكم} بألف ونون (بأهدى) أي: بأصوب وأرشد.
قال الزجاج: ومعنى الكلام: قُلْ: أتَّتبعونَ ما وجدتم عليه آباءكم وإِن جئتكم بأهدى منه؟! وفي هذه الآية إِبطال القول بالتقليد.
قال مقاتل: فرَدُّوا على النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقالوا: {إِنا بما أُرسِلتم به كافرون}؛ ثم رجع إِلى الأُمم الخالية، فقال: {فانتَقَمْنا منهم} الآية.
قوله تعالى: {إِنَّني بَراءٌ} قال الزجاج: البَراء بمعنى البَريء، والعرب تقول للواحد: أنا البَراء منك، وكذلك للإثنين والجماعة، وللذكر والأنثى، يقولون: نحن البَراء منك والخلاء منك، لا يقولون: نحن البَراءان منك، ولا البَراءون منك، وإِنما المعنى: أنا ذو البَراء منك، ونحن ذو الَبراء منك، كما يقال: رجل عَدْل، وامرأة عَدْل.
وقد بيَّنَّا استثناء إبراهيم ربَّه عز وجل مما يعبدون عند قوله: {إلاّ ربِّ العالَمِين} [الشعراء: 77].
قوله تعالى: {وجَعَلَها} يعني كلمة التوحيد، وهي (لا إله إلا الله) {كَلِمةً باقيةً في عَقِبِه} أي: فيمن يأتي بعده من ولده، فلا يزال فيهم موحِّد {لعلَّهم يَرْجِعونَ} إَلى التوحيد كلُّهم إِذا سمعوا أن أباهم تبرَّأ من الأصنام ووحَّد اللهَ عز وجل.
ثم ذكر نعمته على قريش فقال: {بل متَّعتُ هؤلاء وآباءهم} والمعنى: إِنِّي أجزلتُ لهم النِّعَم ولم أُعاجلهم بالعقوبة {حتى جاءهم الحق} وهو القرآن {ورسولٌ مُبِينٌ} وهو محمد صلى الله عليه وسلم، فكان ينبغي لهم أن يقابِلوا النِّعَم بالطاعة للرسول، فخالفوا.
{ولمّا جاءهم} يعني قريشًا في قول الأكثرين.
وقال قتادة: هم اليهود و{الحقُّ} القرآن.
قوله تعالى: {وقالوا لولا} أي: هلاّ {نُزِلَ هذا القرآن على رجل من القريتين عظيمٍ} أمّا القريتان، فمكَّة والطائف، قاله ابن عباس، والجماعة؛ وأمّا عظيم مكَّة، ففيه قولان:
أحدهما: الوليد بن المغيرة القرشي، رواه العوفي وغيره عن ابن عباس، وبه قال قتادة، والسدي.
والثاني: عُتبة بن ربيعة، قاله مجاهد.
وفي عظيم الطائف خمسة أقوال.
أحدها: حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي، رواه العوفي عن ابن عباس.
والثاني: مسعود بن عمرو بن عبيد الله، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والثالث: أنه أبو مسعود عروة بن مسعود الثقفي، رواه ليث عن مجاهد وبه قال قتادة.
والرابع: أنه ابن عَبْد ياليل، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد.
والخامس: كنانة بن عبد بن عمرو بن عمير الطائفي، قاله السدي.
فقال الله عز وجل ردًّا عليهم وإِنكارًا {أَهُمْ يَقْسِمون رحمةَ ربِّكَ} يعني النُّبوَّة، فيضعونها حيث شاؤوا، لأنهم اعترضوا على الله بما قالوا.
{نحن قَسَمْنا بينهم معيشتهم} المعنى أنه إِذا كانت الأرزاق بقَدَر الله، لا بحول المحتال وهو دون النُّبوَّة فكيف تكون النًّبوَّة؟! قال قتادة: إِنك لَتَلْقَى ضعيفَ الحِيلة عَييَّ اللِّسان قد بُسِطَ له الرِّزْقُ، وتَلْقَى شديدَ الحِيلة بسيط اللسان وهو مقتور عليه.
قوله تعالى: {ورَفَعْنا بَعْضَهم فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ} فيه قولان.
أحدهما: بالغنى والفقر.
والثاني: بالحرية والرق {لِيَتَّخِذَ بعضُهم بعضًا سُخْرِيًّا} وقرأ ابن السميفع، وابن محيصن: {سِخْرِيًّا} بكسر السين.
ثم فيه قولان:
أحدهما: يستخدم الأغنياء الفقراء بأموالهم، فَيَلْتَئِمُ قِوامَ العالَم، وهذا على القول الأول.
والثاني: ليملك بعضُهم بعضًا بالأموال فيتَّخذونهم عبيدًا، وهذا على الثاني.
قوله تعالى: {ورَحْمَةُ ربِّكَ} فيها قولان:
أحدهما: النًّبوَّة خير من أموالهم التي يجمعونها، قاله ابن عباس.
والثاني: الجنة خير ممّا يجمعون في الدنيا، قاله السدي.
قوله تعالى: {ولولا أن يكون الناسُ أُمَّةً واحدةً} فيه قولان:
أحدهما: لولا أن يجتمعوا على الكفر، قاله ابن عباس.
والثاني: على إِيثار الدنيا على الدِّين، قاله ابن زيد.
قوله تعالى: {لَجَعَلْنا لِمَن يكفرُ بالرَّحمن لِبُيوتهم سُقُفًا من فِضَّة} لهوان الدنيا عندنا.
قال الفراء: إن شئتَ جعلتَ اللاّم في {لِبُيوتهم} مكرَّرة كقوله: {يسألونك عن الشَّهْر الحرام قِتالٍ فيه} [البقرة: 217]، وإِن شئتَ جعلتَها بمعنى (على)، كأنه قال: جَعَلْنا لهم على بُيوتهم، تقول للرجل: جعلتُ لك لقومك الأُعطية، أي: جعلتُها من أجلك لهم.
قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: {سَقْفًا} على التوحيد.
وقرأ الباقون {سُقُفًا} بضم السين والقاف جميعًا.
قال الزجاج: والسَّقف واحد يدلُّ على الجمع؛ فالمعنى: جعلْنا لبيتِ كلِّ واحد منهم سقفًا من فِضَّة {ومعارجَ} وهي الدَّرَج؛ والمعنى: وجعلْنا معارج من فِضَّة، وكذلك {ولِبُيوتهم أبوابًا} أي: من فِضَّة {وسُرُرًا} أي: من فِضَّة.
قوله تعالى: {عليها يَظْهَرونَ} قال ابن قتيبة: أي: يَعْلُون، يقال: ظَهَرْتُ على البيت إذا علَوْت سطحه.
قوله تعالى: {وزُخْرُفًا} وهو الذهب؛ والمعنى: ويجعل لهم مع ذلك ذهبًا وغنىً {وإِنْ كُلُّ ذلك لَما متاعُ الحياة الدُّنيا} المعنى: لَمَتاع الحياة الدنيا، و(ما) زائدة.
وقرأ عاصم، وحمزة: {لَمّا} بالتشديد، فجعلاه بمعنى (إِلاّ)؛ والمعنى: إِنّ ذلك يُتمتَّع به قليلًا ثم يزول {والآخرة عند ربِّك للمتَّقين} خاصةً لهم.
قوله تعالى: {ومن يَعْشُ} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: يُعْرَضْ، قاله الضحاك عن ابن عباس، وبه قال قتادة، والفراء، والزجاج.
والثاني: يَعْمَ، روي عن ابن عباس أيضًا، وبه قال عطاء، وابن زيد.
والثالث: أنه البَصَر الضعيف، حكاه الماوردي.
وقال أبوعبيدة: تُظْلِمْ عينه عنه.
وقال الفراء: من قرأ: {يَعْشُ}، فمعناه: يُعْرِضْ، ومن نصب الشين، أراد: يَعْمَ عنه؛ قال ابن قتيبة: لا أرى القول إلاّ قول أبي عبيدة، ولم نر أحدًا يجيز (عَشَوْتُ عن الشيء): أعرضتُ عنه، إِنما يقال: (تَعاشَيْتُ عن كذا)، أي: تغافلتُ عنه، كأنِّي لم أره. ومثلُه: تعامَيْتُ والعرب تقول: (عَشَوْتُ إِلى النار): إِذا استدللتَ إِليها ببصر ضعيف، قال الحطيئة: